الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد: أختي: هذه رسالة موجهة إليك، فأرجو أن يتسع قلبك لسماعما أقوله. وما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع إلا الغيرة عليك.
أختيي: في الواقع، إن المصارحة قد تكون مُرَّة المذاق؛ لكن نتائجها محمودةومغبوطة، وقد ذُقنا شُؤم دفنالأخطاء تحت اسم المجاملة… ومن المؤكد أن العلم أنفس ما تبذل فيهالأعمار، فهو باني الحياة، وعنوانصلاحها وقوتها، وأساس ما سجلته يد الإنسان على مدى تاريخهالطويل الماضي والآني من تقدموابتكار.
أختيي: لما كان العلم لا يتنافى ولا يتعارض مع الدين والالتزام، كان حقيقاً عليكِ أن تجعلي من طلبك للعلم وسيلةًلنصرة دين الله تعالىوالاعتزاز به، وتتعبدين الله تعالى بخروجك إلى طلب العلم،وتحافظين -أثناء كل ذلك- على الطهارة والنقاء والعفةوالحياء والحشمة بالحجاب. وليسهناك أدنى شك في أن الحجاب لا ينافي العلم، وإنما كل ما يُمزق الحجاب هوالذي ينافيالعلم وينقضه، لأنهمحرم.
أختيي: الحجاب عفةٌ وحشمةٌ يُـمَزِّقهالاختلاط. فالاختلاط رأس المصيبة والبلية، فضلاً عنأنه مظنةٌ إلى الفاحشة، وليس هناكاختلاطاً بريئاً. والعاقل لا يقول: " لنطرح إنسانـًا وسط بركان ملتهب، ثمنطلبمنه أن يحافظ على جسمه منالاحتراق ". وهو لا يقول أيضاً: " لندخل إنساناً داخلممر ضيق مليء بالأشواك، ثم نطلب منه أن يحافظ على جلدهمن الخدش "، وهو لا يقول كذلك" لنطرح إنسانـًا وسط أمواج متلاطمة، ثم نطلب منه أن يحافظ على ثيابهمن البلل ". إذا كان لا يقول ذلكلعلمه باستحالته، فهو كذلك لا يقول:" لتختلط النساءبالرجال"، ليقينه أن العفة والحشمة لا تجتمع معمثيراتها، ومن مثيراتها الاختلاط بين الرجال والنساء. والسؤال المطروح هنا: ما فائدة الحجاب إذا صارتالمرآة صديقةالرجل، يراها أمامه،يحادثها ويمازحها ويخالطها؟!
أختيي: الحجاب طهارةٌونقاءٌ وحياءٌ تُمزقه إذا كانت التنورة ضيقة ذات فتحةعلى أحد الجانبين، حيث يتصيد عورتها نظرات السوء لشباب فارغون!! يُمزقه إذا كان الوجه منمص الحاجبين،ملطخ بمساحيق وألوان تثير إعجابأعين الناظرين!! يُمزقه إذا بانت الحلي بكل أنواعها وقدوشحت الصدر، وبرزت من الأذنين، وزينت أصابع اليدينوالمعصم لتستميل بها قلوب المتربصين!! يُمزقه إذا ظهر جزء من الشعر –المصبوغ بألوان الطيف كلها- والعنق والصدر والذراعين والقدمانلتفتن به المارين!! يُمزقه إذا كان الفستان ضيقٌ ملاصقٌبالجسد يشل الحركة!! يُمزقه إذا كان اللباس شفاف وضيقتتحدد من خلاله مفاتن الجسم وتفاصيل البدن!! يُمزقه إذا لبست الكعب العالي له رنين مسموع!! يُمزقهإذا كانالخصر مربوط بحزام إمعاناًفي إظهار مفاتنها!! يُمزقه إذا كان اللباس فاتناًوملوناً ومزركشاً ومزخرفاً ومبهرجاً وتفوح منه رائحةالعطر الباريسي الخلاب!! يُمزقه إذا انثنت في مشيتها،وترفَّلت في سيرها، وأخضعت بقولها، وتليَّنت بكلامهاأمام الرجال!! وهنا يحقق لنا أن نتساءل: ما فائدةالحجاب إذا كان هذا وذاك لا يمنعالافتتان؟!!
أختيي: صفوة القول في هذه العجالة، هي أن هذا وذاك كلهمن الأمور المنهي عنها في الحجاب؛لأنها تناقض غايته ومقصودة، وتمزقه تمزيقاً. فالحجابأعظم من مجرد قطعة قماش يغطي جسد المرأة، وإنما هوحاجز يمنع من جرح الجوهرة المصونة. وهو أيضاً ليس مجرد تمسك بشكليات، وإنما هو تعبير عمَّا هو أعمق،وعمَّاوراء الشكليات، وهو تعبيركامن وصامت عن جمال الحشمة والحياء،والطهارة والنقاء. فوراء الحجاب الاستقرار والسمو والعلو، وهو على نفوس الصالحات أبرد منالثلج، وألذمن العسل، وأطيب منالرحيق، وهو كالصدفة لا يحجب اللؤلؤة المكنونة، فضلاً عن أنه يرضي الرحمن ويغضب الشيطان.